الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ثم في
توفي الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن علي الهاشمي العباسي بمسكنه بالكبش ظاهر القاهرة ومصر المطل على بركة الفيل وخطب له في ذلك اليوم بجوامع القاهرة ومصر فإنهم أخفوا موته إلى بعد صلاة الجمعة فلما آنقضت الصلاة سير الأمير سلار نائب السلطنة خلف جماعة الصوفية ومشايخ الزوايا والربط والقضاة والعلماء والأعيان من الأمراء وغيرهم للصلاة عليه وتولى غسله وتكفينه الشيخ كريم الدين عبد الكريم الأبلي شيخ الشيوخ بخانقاه سعيد السعداء ورئيس المغسلين بين يديه وهو عمر بن عبد العزيز الطوخي وحمل من الكبش إلى جامع أحمد بن طولون ونزل نائب السلطنة الأمير سلار والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأستادار وجميع الأمراء من القلعة إلى الكبش وحضروا تغسيله ومشوا أمام جنازته إلى الجامع المذكور وتقدم للصلاة عليه الشيخ كريم الدين المذكور وحمل إلى تربته بجوار السيدة نفيسة ودفن بها بعد أن أوصى بولاية العهد إلى ولده أبي الربيع سليمان وتقدير عمره فوق العشرين سنة. وكان السلطان طلبه في أول نهار الجمعة قبل الإشاعة بموت والده وأشهد عليه أنه ولى الملك الناصر محمد بن قلاوون جميع ما ولاه والده وفوضه إليه ثم عاد إلى الكبش. فلما فرغت الصلاة على الخليفة رد ولده المذكور وأولاد أخيه من جامع آبن طولون إلى دورهم ونزل من القلعة خمسة خدام من خدام السلطان وقعدوا على باب الكبش صفة الترسيم عليهم وسير السلطان يستشير قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد الشافعي في أمر سليمان المذكور: هل يصلح للخلافة أم لا فقال: نعم يصلح وأثنى عليه. وبقي الأمر موقوفًا إلى يوم يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى المذكور. فلما كان بكرة النهار المذكور طلب سليمان إلى القلعة فطلع هو وأولاد أخيه بسبب المبايعة فأمضى السلطان ما عهد إليه والده المذكور بعد فصول وأمور يطول شرحها بينه وبين أولاد أخيه وجلس السلطان وخلع على أبي الربيع سليمان هذا خلعة الخلافة ونعت بالمستكفي وهي جبة سوداء وطرحة سوداء وخلع على أولاد أخيه خلع الأمراء الأكابر خلعًا ملونة. وبعد ذلك بايعه السلطان والأمراء والقضاة والمقدمون وأعيان الدولة ومدوا السماط على العادة ثم رسم له السلطان بنزوله إلى الكبش وأجرى راتبه الذي كان مقررًا لوالده وزيادة ونزلوا إلى الكبش وأقاموا به إلى يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة إذ حضر من عند السلطان المهمندار ومعه جماعة وصحبتهم جمال كثيرة فنقلوا الخليفة وأولاد أخيه ونساءهم وجميع من يلوذ بهم إلى قلعة الجبل وأنزلوهم بالقلعة في دارين: الواحدة تسمى بالصالحية والأخرى بالظاهرية وأجروا عليهم الرواتب المقررة لهم وكان في يوم الجمعة ثاني يوم المبايعة خطب بمصر والقاهرة للمستكفي هذا ورسم بضرب آسمه على سكة الدينار والدرهم. انتهى. وكان السلطان قبل ذلك أمر بخروج تجريدة إلى الوجه القبلي لكثرة فساد العربان وتعدى شرهم في قطع الطريق إلى أن فرضوا على التجار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائض جبوها شبه الجالية واستخفوا بالولاة ومنعوا الخراج وتسموا بأسماء الأمراء وجعلوا لهم كبيرين: أحدهما سموه سلار والآخر بيبرس ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون بأيديهم فأحضر السلطان الأمراء والقضاة وآستفتوهم في قتالهم فأفتوهم بجواز ذلك فآتفق الأمراء على الخروج لقتالهم وأخذت الطرق عليهم لئلا يمتنعوا بالجبال والمنافذ فيفوت الغرض فيهم واستدعوا الأمير ناصر الدين ناصر الدين محمد بن الشيخي متولي الجيزة وندبوه لمنع الناس بأسرهم من السفر إلى الصعيد في البر والبحر ومن ظهر أنه سافر كانت أرواح الولاة قبالة ذلك وما ملك وأشاع الأمراء أنهم يريدون السفر إلى الشام وتجهزوا وكتبت أوراق الأمراء المسافرين وهم عشرون مقدمًا بمضافيهم وعينوا أربعة أقسام: قسم يتوجه في البر الغربي وقسم يتوجه في البر الشرقي وقسم يركب النيل وقسم يمضي في الطريق السالكة. وتوجه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وكان قد قدم من الشام إلى الواح في خمسة أمراء وقرروا أن يتأخر مع السلطان أربعة أمراء من المقدمين ورسم إلى كل من تعين من الأمراء لجهة أن يضع السيف في الكبير والصغير والجليل والحقير ولا يبقوا شيخًا ولا صبيًا ويحتاطوا على سائر الأموال. وسار الأمير سلار نائب السلطنة في رابع جمادى الآخرة ومعه جماعة من الأمراء في البر الغربي وسار الأمير بيبرس الجاشنكير بمن معه من الحاجر في البر الغربي أيضًا من طريق الواحات وسار الأمير بكتاش أمير سلاح بمن معه في البر الشرقي وسار الأمير قتال السبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلمشي وغيره من الشرقية إلى السويس والطور وسار الأمير قبجق المنصوري نائب الشام بمن كان معه إلى عقبة السيل وسار طقصبا والي قوص بعرب الطاعة وأخذ عليهم المفازات وقد عميت أخبار الديار المصرية على أهل الصعيد لمنع المسافرين إليها فطرقوا الأمراء البلاد على حين غفلة من أهلها ووضعوا السيف من الجيزة بالبر الغربي والإطفيحية من الشرقي فلم يتركوا أحدًا إلا قتلوه ووسطوا نحو عشرة آلاف رجل وما منهم إلا من أخذوا ماله وسبوا حريمه فكان إذا ادعى أحد منهم أنه حضري قيل له: قل " دقيق " فإن قال: دقيق - بالكاف لغات العرب - قتل وإن قال: بالقاف المعهودة أطلق. ووقع الرعب في قلوب العربان حتى طبق عليهم الأمراء وأخذوهم من كل جهة فروا إليها وأخرجوهم من مخابئهم حتى قتلوا من بجانبي النيل إلى قوص وجافت الأرض بالقتلى واختفى كثير منهم بمغاور الجبال فأوقدت عليهم النيران حتى هلكوا بأجمعهم وأسر منهم نحو ألف وستمائة لهم فلاحات وزروع وحصل من أموالهم شيء عظيم جدًا تفرقته الأيدي وأحضر منه إلى الديوان السلطاني ستة عشرة ألف رأس من الغنم وذلك من جملة ثمانين ألف رأس ما بين ضأن وماعز ومن السلاح نحو مائتين وستين حملًا من السيوف والسلاح والرماح ومن الأموال على بغال محملة مائتين وثمانين بغلًا ونحو أربعة آلاف فرس واثنين وثلاثين ألف جمل وثمانية آلاف رأس من البقر غير ما أرصد في المعاصر وصار لكثرة ما حصل للأجناد والغلمان والفقراء الذين آتبعوا العسكر يباع الكبش السمين من ثلاثة دراهم إلى درهم والمعز بدرهم الرأس والجزة الصوف بنصف درهم والكساء بخمسة دراهم والرطل السمن بربع درهم ولم يوجد من يشتري الغلال لكثرتها فإن البلاد طرقت وأهلها آمنون وقد كسروا الخراج سنتين. ثم عاد العسكر في سادس عشر شهر رجب من سنة إحدى وسبعمائة وقد خلت بلاد الصعيد من أهلها بحيث صار الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحدًا وينزل القرية فلا يرى إلا النساء والصبيان ثم أفرج السلطان عن المأسورين وأعادهم إلى بلادهم لحفظ وعند عود الأمراء المذكورين من بلاد الصعيد ورد الخبر من حلب أن تكفور متملك سيس منع الحمل وخرج عن الطاعة وانتمى لغازان فرسم بخروج العساكر لمحاربته وخرج الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح والأمير عز الدين أيبك الخازندار بمضافيهما من الأمراء وغيرهم في شهر رمضان فساروا إلى حماة فتوجه معهم نائبها الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري في خامس عشرين شوال. وتوجهوا إلى بلاد سيس وأحرقوا الزروع وآنتهبوا ما قدروا عليه وحاصروا مدينة سيس وغنموا من سفح قلعتها شيئًا كثيرًا من جفال الأرمن وعادوا من الدربند إلى مرج أنطاكية. ثم قدموا في تاسع عشر ذي القعدة. ثم ورد الخبر على السلطان من طرابلس بأن الفرنج أنشأوا جزيرة تجاه طرابلس تعرف بجزيرة أرواد وعمروها بالعدد والآلات وكثر فيها جمعهم وصاروا يركبون البحر ويأخذون المراكب. فرسم السلطان للوزير بعمارة أربعة شوان حربية في محرم سنة اثنتين وسبعمائة ففعل ذلك ونجزت عمارة الشواني وجهزت بالمقاتلة وآلات الحرب مع الأمير جمال الدين آقوش القارىء العلائي وإلى البهنسا واجتمع الناس لمشاهدة لعب الشواني في يوم السبت ثاني عشر المحرم ونزل السلطان والأمراء لمشاهدة ذلك وآجتمع من العالم ما لا يحصيه إلا الله تعالى حتى بلغ كراء المركب التي تحمل عشرة أنفس إلى مائة درهم وآمتلأ البر من بولاق إلى الصناعة حتى لم يوجد موضع قدم ووقف العسكر على بر بستان الخشاب وركب الأمراء الحراريق إلى الروضة وبرزت الشواني تجاه المقياس تلعب كأنها في الحرب فلعب الشيني الأول والثاني والثالث وأعجب الناس إعجابًا زائدًا لكثرة ما كان فيها من المقاتلة والنفوط وآلات الحرب وتقدم الرابع وفيه الأمير آقوش فما هو إلا أنه خرج من الصناعة بمصر وتوسط في النيل إذا بالريح حركته فمال به ميلة واحدة آنقلب وصار أعلاه أسفله فصرخ الناس صرخة واحدة كادت تسقط منها الحبالى وتكدر ما كانوا فيه من الصفو فتلاحق الناس بالشيني وأخرجوا ما سقط منه في الماء فلم يعدم منه سوى الأمير آقوش وسلم الجميع فتكدر السلطان والأمراء بسببه وعاد السلطان بأمرائه إلى القلعة وآنفض الجمع. وبعد ثلاثة أيام أخرج الشيني فإذا امرأة الريس وابنها وهي ترضعه في قيد الحياة فاشتد عجب الناس من سلامتها طول هذه الأيام! قاله المقريزي وغيره والعهدة عليهم في هذا النقل. ثم شرع العمل في إعادة الشيني الذي غرق حتى نجز وندب السلطان الأمير سيف الدين كهرداش الزراق المنصوري إلى السفر فيه عوضًا عن آقوش الذي غرق رحمه الله تعالى وتوجه الجميع إلى طرابلس ثم إلى جزيرة أرواد المذكورة وهي بالقرب من أنطرطوس فأخربوها وسبوا وغنموا وكان الأسرى منها مائتين وثمانين نفرًا وقدم الخبر بذلك إلى السلطان فسر وسر الناس قاطبة ودقت البشائر لذلك أيامًا وآتفق في ذلك اليوم أيضًا حضور الأمير ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر من حلب بأن قازان على عزم الحركة إلى الشام فوقع الاتفاق على خروج العساكر من الديار المصرية إلى الشام وعين من الأمراء الأمير بيبرس الجاشنكير وطغريل الإيغاني وكراي المنصوري وحسام الدين لاجين أستادار بمضافيهم وثلاثة آلاف من الأجناد وساروا من مصر في ثامن عشر شهر رجب وتواترت الأخبار بنزول قازان على الفرات ووصل عسكره إلى الرحبة وبعث أمامه قطلوشاه من أصحابه على عساكر عظيمة إلى الشام تبلغ ثمانين ألفًا وكتب إلى الأمير عز الدين أيبك الأفرم نائب الشام يرغبه في طاعته. ودخل الأمير بيبرس الجاشنكير بمن معه إلى دمشق في نصف شعبان ولبث يستحث السلطان على الخروج. وأقبل الناس من حلب وحماة إلى دمشق جافلين من التتار فاستعد أهل دمشق للفرار ولم يبق إلا خروجهم فنودي بدمشق: من خرج منها حل ماله وعمه. وخرج الأمير بهادر آص والأمير قطلوبك المنصوري وأنس الجمدار في عسكر إلى حماة ولحق بهم عساكر طرابلس وحمص فاجتمعوا على حماة عند نائبها الملك العادل كتبغا المنصوري وبلغ التتار ذلك فبعثوا طائفة كثيرة إلى القريتين فأوقعوا بالتركمان فتوجه إليهم أسندمر كرجي نائب طرابلس وبهادر آص وكجكن وغرلوا العادلي وتمر الساقي وأنص الجمدار ومحمد بن قرا سنقر في ألف وخمسمائة فارس فطرقوهم بمنزلة عرض في حادي عشر شعبان. على غفلة فافترقوا عليهما أربع فرق وقاتلوهم قتالًا شديدًا من نصف النهار إلى العصر حتى كسروهم وأفنوهم - وكانوا التتار فيما يقال أربعة آلاف - وآستنقذوا التركمان وحريمهم وأولادهم من أيدي التتار وهم نحو ستة آلاف أسير ولم يفقد من العسكر الإسلامي إلا الأمير أنص الجمدار المنصوري ومحمد بن باشقرد الناصري وستة وخمسون من الأجناد وعاد من آنهزم من التتار إلى قطلوشاه وأسر العسكر المصري مائة وثمانين من التتار وكتب إلى السلطان بذلك ودقت البشائر بدمشق. وكان السلطان الملك الناصر محمد قد خرج بعساكره وأمرائه من الديار المصرية إلى جهة البلاد الشامية في ثالث شعبان وخرج بعده الخليفة المستكفي بالله واستناب السلطان بديار مصر الأمير عز الدين أيبك البغدادي. وجد قطلوشاه مقدم التتار بالعساكر في المسير حتى نزل قرون حماة في ثالث عشر شعبان فآندفعت العساكر المصرية التي كانت بحماة بين يديه إلى دمشق وركب نائب حماة الأمير كتبغا الذي كان تسلطن وتلقب بالملك العادل في محفة لضعفه واجتمع الجميع بدمشق وآختلف رأيهم في الخروج إلى لقاء العدو أو آنتظار قدوم السلطان ثم خشوا من مفاجأة العدو فنادوا بالرحيل وركبوا في أول شهر رمضان من دمشق فاضطربت دمشق بأهلها وأخذوا في الرحيل منها على وجوههم واشتروا الحمار بستمائة درهم والجمل بألف درهم وترك كثير منهم حريمه وأولاده ونجا بنفسه إلى القلعة فلم يأت الليل إلا وبوادر التتار في سائر نواحي المدينة. وسار العسكر مخفًا وبات الناس بدمشق في الجامع يضجون بالدعاء إلى الله تعالى فلما أصبحوا رحل التتار عن دمشق بعد أن نزلوا بالغوطة. وبلغ الأمراء قدوم السلطان فتوجهوا إليه من مرج راهط فلقوه على عقبة الشحورا في يوم السبت ثاني عشر رمضان وقبلوا له الأرض. ثم ورد عند لقائهم به الخبر بوصول التتار في خمسين ألفًا مع قطلوشاه نائب غازان فلبس العسكر بأجمعه السلاح واتفقوا على قتال التتار بشقحب تحت جبل غباغب وكان قطلوشاه قد وقف على أعلى النهر فصفت العساكر الإسلامية: فوقف السلطان في القلب وبجانبه الخليفة والأمير سلار النائب والأمير بيبرس الجاشنكير وعز الدين أيبك الخازندار وبكتمر الجوكندار وآقوش الأفرم نائب الشام والأمير برلغي والأمير أيبك الحموي وبكتمر الأبو بكري وقطلوبك ونوغاي السلاح دار ومبارز الدين أمير شكار ويعقوبا الشهرزوري ومبارز الدين أوليا بن قرمان ووقف في الجناح الأيمن الأمير قبجق بعساكر حماة والعربان وجماعة كثيرة من الأمراء ووقف في الميسرة الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح والأمير قرا سنقر نائب حلب بعساكرها والأمير بتخاص نائب صفد بعساكرها والأمير طغريل الإيغاني وبكتمر السلاح دار وبيبرس الدوادار بمضافيهم. ومشى السلطان على التتار والخليفة بجانبه ومعهما القراء يتلون القرآن ويحثون على الجهاد ويشوقون إلى الجنة وصار الخليفة يقول: " يا مجاهدون لا تنظروا لسلطانكم. قاتلوا عن دين نبيكم صلى الله عليه وسلم وعن حريمكم! " والناس في بكاء شديد ومنهم من سقط عن فرسه إلى الأرض! وتواصى بيبرس وسلار على الثبات في الجهاد. وكل ذلك والسلطان والخليفة يكر في العساكر يمينًا وشمالًا. ثم عاد السلطان والخليفة إلى مواقفهما ووقف خلفه الغلمان والأحمال والعساكر صفًا واحدًا وقال لهم: من خرج من الأجناد عن المصاف فاقتلوه ولكم سلبه. فلما تم الترتيب زحفت كراديس التتار كقطع الليل وكان ذلك وقت الظهر من يوم السبت ثاني رمضان المذكور. وأقبل قطلوشاه بمن معه من الطوامين وحملوا على الميمنة فثبتت لهم الميمنة وقاتلوهم أشد قتال حتى قتل من أعيان الميمنة الأمير حسام الدين لاجين الأستادار وأوليا بن قرمان والأمير سنقر الكافوري والأمير أيدمر الشمسي القشاش والأمير آقوش الشمسي الحاجب وحسام الدين علي بن باخل ونحو الألف فارس كل ذلك وهم في مقابلة العدو والقتال عمال بينهم. فلما وقع ذلك أدركتهم الأمراء من القلب ومن الميسرة وصاح سلار: " هلك والله أهل الإسلام! " وصرخ في بيبرس الجاشنكير وفي البرجية فأتوه دفعة واحدة فأخذهم وصدم بهم العدو وقصد مقدم التتار قطلوشاه وتقدم عن الميمنة حتى أخذت الميمنة راحة وأبلى سلار في ذلك اليوم هو وبيبرس الجاشنكير بلاء حسنًا وسلموا نفوسهم إلى الموت. فلما رأى باقي الأمراء منهم ذلك ألقوا نفوسهم إلى الموت واقتحموا القتال وكانت لسلار والجاشنكير في ذلك اليوم اليد البيضاء على المسلمين - رحمهما الله تعالى - واستمروا في القتال إلى أن كشفوا التتار عن المسلمين. وكان جوبان وقرمجي وهما من طوامين التتار قد ساقا تقوية لبولاي وهو خلف المسلمين فلما عاينوا الكسرة على قطلو شاه أتوه نجدة ووقفوا في وجه سلار وبيبرس فخرج من عسكر السلطان أسندمر والأمير قطلوبك والأمير قبجق والمماليك السلطانية وأردفوا سلار وبيبرس وقاتلوا أشد قتال حتى أزاحوهم عن مواقفهم فمالت التتار على الأمير برلغي في موقفه فتوجهوا الجماعة المذكورون إلى برلغي واستمر القتال بينهم. وأما سلار فإنه قصد قطلوشاه مقدم التتار وصدمه بمن معه وتقاتلا وثبت كل منهما. وكانت الميمنة لما قتل الأمراء منها آنهزم من كان معهم ومرت التتار خلفهم فجفل الناس وظنوا أنها كسرة وأقبل السواد الأعظم على الخزائن السلطانية فكسروها ونهبوا ما فيها من الأموال وجفل النساء والأطفال وكانوا قد خرجوا من دمشق عند خروج الأمراء منها وكشف النساء عن وجوههن وأسبلن الشعور. وضج ذلك الجمع العظيم بالدعاء وقد كادت العقول أن تطيش وتذهب عند مشاهدة الهزيمة! وآستمر القتال بين التتار والمسلمين إلى أن وقف كل من الطائفتين ومال قطلوشاه بمن معه إلى جبل قريب منه وصعد عليه وفي نفسه أنه انتصر وأن بولاي في أثر المنهزمين من المسلمين فلما صعد الجبل رأى السهل والوعر كله عساكر والميسرة السلطانية ثابتة وأعلامها تخفق فبهت قطلوشاه وتحير وآستمر بموضعه حتى كمل معه جمعه وأتاه من كان خلف المنهزمين من الميمنة السلطانية ومعهم عدة من المسلمين قد أسروهم منهم: الأمير عز الدين أيدمر نقيب المماليك السلطانية فأحضره قطلوشاه وسأله: " من أين أنت " فقال: " من أمراء مصر " وأخبره بقدوم السلطان وكان قطلوشاه ليس له علم بقدوم السلطان بعساكر مصر إلا ذلك الوقت فعند ذلك جمع قطلوشاه أصحابه وشاورهم فيما يفعل وإذا بكوسات السلطان والبوقات قد زحفت وأزعجت الأرض وأرجفت القلوب بحسها فلم يثبت بولاي وخرج من تجاه قطلوشاه في نحو العشرين ألفًا من التتار ونزل من الجبل بعد المغرب ومر هاربًا. وبات السلطان وسائر عساكره على ظهور الخيل والطبول تضرب وتلاحق بهم من كان آنهزم شيئًا بعد شيء وهم يقصدون ضرب الطبول السلطانية والكوسات وأحاط عسكر السلطان بالجبل الذي بات عليه التتار وصار بيبرس وسلار وقبجق والأمراء والأكابر في طول الليل دائرين على الأمراء والأجناد يوصونهم ويرتبونهم ويؤكدون عليهم في التيقظ ووقف كل أمير في مصافه مع أصحابه والحمل والأثقال قد وقف على بعد وثبتوا على ذلك حتى آرتفعت الشمس. وشرع قطلوشاه في ترتيب من معه ونزلوا مشاة وفرسانًا وقاتلوا العساكر. فبرزت المماليك السلطانية بمقدميها إلى قطلوشاه وجوبان وعملوا في قتالهم عملًا عظيمًا فصاروا تارة يرمونهم بالسهام وتارة يواجهونهم بالرماح واشتغل الأمراء أيضًا بقتال من في جهتهم وصاروا يتناوبون في القتال أميرًا بعد أمير. وألحت المماليك السلطانية في القتال وأظهروا في ذلك اليوم من الشجاعة والفروسية ما لا يوصف حتى إن بعضهم قتل تحته الثلاثة من الخيل. وما زال الأمراء على ذلك حشى انتصف نهار الأحد صعد قطلوشاه الجبل وقد قتل من عسكره نحو ثمانين رجلًا وجرح الكثير واشتد عطشهم. واتفق أن بعض من كان أسره التتار هرب ونزل إلى السلطان وعرفه أن التتار قد أجمعوا على النزول في السحر لمصادمة العساكر السلطانية وأنهم في شدة من العطش فاقتضى الرأي أن يفرج لهم عند نزولهم ويركب الجيش أقفيتهم. فلما باتوا على ذلك وأصبحوا نهار الاثنين ركب التتار في الرابعة من النهار ونزلوا من الجبل فلم يتعرض لهم أحد وساروا إلى النهر فاقتحموه فعند ذلك ركبهم بلاء الله من المسلمين وأيدهم الله تعالى بنصره حتى حصدوا رؤوس التتار عن أبدانهم ووضعوا فيهم السيف ومروا في أثرهم قتلًا وأسرًا إلى وقت العصر. وعادوا إلى السلطان وعرفوه بهذا النصر العظيم فكتبت البشائر في البطائق وسرحت الطيور بهذا النصر العظيم إلى غزة. وكتب إلى غزة بمنع المنهزمين من عساكر السلطان من الدخول إلى مصر وتتبع من نهب الخزائن السلطانية والاحتفاظ بمن يمسك منهم وعين السلطان الأمير بدر الدين بكتوت الفتاح للمسير بالبشارة إلى مصر ثم كتب بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار. ثم ركب السلطان في يوم الاثنين من مكان الواقعة وبات ليلته بالكسوة وأصبح يوم الثلاثاء وقد خرج إليه أهل دمشق فسار إليها ومعه الخليفة في عالم عظيم من الفرسان والأعيان والعامة والنساء والصبيان لا يحصيهم إلا الله تعالى وهم يضجون بالدعاء والهناء والشكر لله سبحانه وتعالى على هذه المنة! وتساقطت عبرات الناس فرحًا ودقت البشائر بسائر الممالك وكان هذا اليوم يومًا لم يشاهد مثله. وسار السلطان حتى نزل بالقصر الأبلق وقد زينت المدينة. وآستمرت الأمراء وبقيت العساكر في طلب التتار إلى القريتين وقد كلت خيول التتار وضعفت نفوسهم وألقوا أسلحتهم وآستسلموا للقتل والعساكر تقتلهم بغير مدافعة حتى إن أراذل العامة والغلمان قتلوا منهم خلقًا كثيرًا وغنموا عذ غنائم وقتل الواحد من العسكر العشرين من التتار فما فوقها ثم أدركت عربان البلاد التتار وأخذوا في كيدهم: فيجيء منهم الاثنان والثلاثة إلى العدة الكثير من التتار كأنهم يهدونهم إلى طريق قريبة مفازة فيوصلونهم إلى البرية ويتركونهم بها فيموتوا عطشًا ومنهم من دار بهم وأوصلوهم إلى غوطة دمشق فخرجت إليهم عامة دمشق فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا. ثم تتبعت الحكام النهبة وعاقبوا منهم جماعة كثيرة حتى تحصل أكثر ما نهب من الخزائن ولم يفقد منه إلا القليل. ثم خلع السلطان على الأمراء جميعهم ثم حضر الأمير برلغي وقد كان آنهزم فلم يأذن له السلطان في الدخول عليه وقال: بأي وجه تدخل علي أو تنظر في وجهي! فما زال به الأمراء حتى رضي عنه. ثم قبض على رجل من أمراء حلب كان قد انتمى إلى التتار وصار يدلهم على الطرقات فسمر على جمل وشهر بدمشق وضواحيها. وآستمر الناس في شهر رمضان كله في مسرات تتجدد ثم صلى السلطان صلاة عيد الفطر وخرج في ثالث شوال من دمشق يريد الديار المصرية. وأما التتار فإنه لما قتل أكثرهم ودخل قطلوشاه الفرات في قليل من أصحابه. ووصل خبر كسرته إلى همذان ووقعت الصرخات في بلادهم وخرج أهل تبريز وغيرها إلى لقائهم واستعلام خبر من فقد منهم حتى علموا ذلك فقامت النياحة في مدينة تبريز شهرين على القتلى. ثم بلغ الخبر غازان فاغتم غمًا عظيمًا وخرج من منخريه دم كثير حتى أشفى على الموت وآحتجب عن حواشيه فإنه لم يصل إليه من عساكره من كل عشرة واحد ممن كان آنتخبهم من خيار جيشه. ثم بعد ذلك بمدة جلس غازان وأوقف قطلوشاه مقدم عساكره وجوبان وسوتاي ومن كان معهم من الأمراء وأنكر على قطلوشاه وأمر بقتله فما زالوا به حتى عفا عنه وأبعده من قدامه حتى صار على مسافة بعيدة بحيث يراه وقام إليه وقد مسكه الحجاب سائر من حضر - وهم خلق كثير جدًا - وصار كل منهم يبصق في وجهه حتى بصق الجميع! ثم أبعده عنه إلى كيلان ثم ضرب بولاي عدة عصي وأهانه. وفي الجملة فإنه حصل على غازان بهذه الكسرة من القهر والهم ما لا مزيد عليه ولله الحمد. وسار السلطان الملك الناصر بعساكره وأمرائه حتى وصل إلى القاهرة ودخلها في يوم ثالث عشرين شوال حسب ما يأتي ذكره. وكان نائب الغيبة رسم بزينة القاهرة من باب النصر إلى باب السلسلة من القلعة وكتب بإحضار سائر مغاني العرب بأعمال الديار المصرية كلها. وتفاخر الناس في الزينة ونصبوا القلاع واقتسمت أستادارية الأمراء شوارع القاهرة إلى القلعة وزينوا ما يخص كل واحد منهم وعملوا به قلعة بحيث نودي: من آستعمل صانعًا في غير صنعة القلاع كانت عليه جناية للسلطان. وتحسن سعر الخشب والقصب وآلات النجارة وتفاخروا في تزيين القلاع المذكورة وأقبل أهل الريف إلى القاهرة للفرجة على قدوم السلطان وعلى الزينة فإن الناس كانوا أخرجوا الحلي والجواهر واللآلىء وأنواع الحرير فزينوا بها. ولم ينسلخ شهر رمضان حتى تهيأ أمر القلاع وعمل ناصر الدين محمد بن الشيخي والي القاهرة قلعة بباب النصر فيها سائر أنواع الخد والهزل ونصب عدة أحواض ملأها بالسكر والليمون وأوقف مماليكه بشربات حتى يسقوا العسكر. قلت: لو فعل هذا في زماننا والي القاهرة لكان حصل عليه الإنكار بسبب إضاعة المال وقيل له: لم لا حملت إلينا ما صرفته فإنه كان أنفع وخيرًا من هذا الفشار وإنما كانت نفوس أولئك غنية وهممهم علية وما كان جل قصدهم إلا إظهار النعمة والتفاخر في الحشم والأسمطة والإنعامات حتى يشاع عنهم ذلك ويذكر إلى الأبد فرحم الله تلك الأيام وأهلها!. وقدم السلطان إلى القاهرة في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال وقد خرج الناس إلى لقائه وللفرجة عليه وبلغ كراء البيت الذي يمر عليه السلطان من خمسين درهمًا إلى مائة درهم. فلما وصل السلطان إلى باب النصر ترجل الأمراء كلهم وأول من ترجل منهم الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح وأخذ يحمل سلاح السلطان فأمره السلطان أن يركب لكبر سنه ويحمل السلاح خلفه فامتنع ومشى. وحمل الأمير مبارز الدين سوار الرومي أمير شكار القبة والطير على رأس السلطان وحمل الأمير بكتمر أمير جاندار العصا والأمير سنجر الجمقدار الدبوس ومشى كل أمير في منزلته وفرش كل منهم الشقق من قلعته إلى قلعة غيره التي أنشأوها بالشوارع. وكان السلطان إذا تجاوز قلعة فرشت القلعة المجاورة لها الشقق حتى يمشي عليها بفرسه مشيًا هينًا من غير هرج بسكون ووقار لأجل مشي الأمراء بين يديه. وكان السلطان كلما رأى قلعة أمير أمسك عن المشي ووقف حتى يعاينها ويعرف ما آشتملت عليه هو والأمراء حتى يجبر خاطر فاعلها بذلك. هذا والأمراء من التتار بين يديه مقيدون ورؤوس من قتل منهم معلقة في رقابهم وألف رأس على ألف رمح وعدة الأسرى ألف وستمائة وفي أعناقهم أيضًا ألف وستمائة رأس وطبولهم قدامهم مخرقة. وكانت القلاع التي نصبت أولها قلعة الأمير ناصر الدين ابن الشيخي والي القاهرة بباب النصر ويليها قلعة الأمير علاء الدين مغلطاي أمير مجلس ويليها قلعة آبن أيتمش السعدي ثم يليها قلعة الأمير سنجر الجاولي وبعده قلعة الأمير طغريل الإيغاني ثم قلعة بهادر اليوسفي ثم قلعة سودي ثم قلعة بيليك الخطيري ثم قلعة برلغي ثم قلعة مبارز الدين أمير شكار ثم قلعة أيبك الخازندار ثم قلعة سنقر الأعسر ثم قلعة بيبرس الدوادار ثم قلعة سنقر الكاملي ثم قلعة موسى ابن الملك الصالح ثم قلعة الأمير آل ملك ثم قلعة علم الدين الصوابي ثم قلعة الأمير جمال الدين الطشلاقي ثم قلعة الأمير سيف الدين آدم ثم قلعة الأمير سلار النائب ثم قلعة الأمير بيبرس الجاشنكير ثم قلعة بكتاش أمير سلاح ثم قلعة الطواشي مرشد الخازندار - وكانت قلعته على باب المدرسة المنصورية - ثم بعده قلعة بكتمر أمير جاندار ثم قلعة أيبك البغدادي نائب الغيبة ثم قلعة آبن أمير سلاح ثم قلعة بكتوت الفتاح ثم قلعة تباكر الطغريلي ثم قلعة قلي السلاح دار ثم قلعة لاجين زيرباج الجاشنكير ثم قلعة طيبرس الخازنداري نقيب الجيش ثم قلعة بلبان طرنا ثم قلعة سنقر العلائي ثم قلعة بهاء الدين يعقوبا ثم قلعة الأبوبكري ثم قلعة بهادر العزي ثم قلعة كوكاي ثم قلعة قرا لاجين ثم قلعة كراي المنصوري ثم قلعة جمال الدين آقوش قتال السبع وقلعته كانت على باب زويلة وكان عدتها سبعين قلعة. وعندما وصل السلطان إلى باب البيمارستان المنصوري ببين القصرين نزل ودخل وزار قبر والده الملك المنصور قلاوون وقرأ القراء أمامه ثم ركب إلى باب زويلة ووقف حتى أركب الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح. ثم سار السلطان على شقق الحرير إلى داخل قلعة الجبل. هذا والتهاني في دور السلطان والأمراء وغيرهم قد امتلأت منهم البيوت والشوارع بحيث إن الرجل كان لا يسمع كلام من هو بجانبه إلا بعد جهد وكان يومًا عظيمًا عظم فيه سرور الناس قاطبة لا سيما أهل مصر فإنهم فرحوا بالنصر وأيضًا بسلامة سلطانهم الملك الناصر وأقام الملك الناصر بالديار المصرية إلى سنة ثلاث وسبعمائة فورد عليه الخبر بموت غازان بمدينة الري وقام بعده أخوه خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو في ثالث عشر شوال وجلس خربندا على تخت الملك في ثالث عشر ذي الحجة وتلقب غياث الدين محمدًا وكتب إلى السلطان بجلوسه وطلب الصلح وإخماد الفتنة. ثم في السنة آستأذن الأمير سلار نائب السلطنة في الحج فأذن له فحج كما حج الأمير بيبرس الجاشنكير في السنة الماضية اثنتين وسبعمائة إلا أن سلار صنع من المعروف في هذه السنة والإحسان إلى أهل مكة والمجاورين وغيرهم وعاد ثم حج الأمير بيبرس الجاشنكير ثانيًا في سنة أربع وسبعمائة. وورد الخبر على السلطان الملك الناصر بقدوم رجل من بلاد التتار إلى دمشق يقال له الشيخ براق في تاسع جمادى الأولى ومعه جماعة من الفقراء نحو المائة لهم هيئة عجيبة على رأسهم كلاوت لباد مقصص بعمائم فوقها وفيها قرون من لباد يشبه قرون الجواميس وفيها أجراس ولحاهم محلقة دون شواربهم ولبسهم لبابيد بيض وقد تقلدوا بحبال منظومة بكعاب البقر وكل منهم مكسور الثنية العليا وشيخهم من أبناء الأربعين سنة وفيه إقدام وجرأة وقوة نفس وله صولة ومعه طبلخاناه تدق له نوبة وله محتسب على جماعته يؤدب كل من يترك شيئًا من سنته بضرب عشرين عصا تحت رجليه وهو ومن معه ملازمون التعبد والصلاة وأنه قيل له عن زيه فقال: أردت أن أكون مسخرة الفقراء. وذكر أن غازان لما بلغه خبره استدعاه وألقى عليه سبعًا ضاريًا فركب على ظهر السبع ومشى به فجل في عين قازان ونثر عليه عشرة آلاف دينار وأنه عندما قدم دمشق كان النائب بالميدان الأخضر فدخل عليه وكان هناك نعامة قد تفاقم ضررها وشرها ولم يقدر أحد على الدنو منها فأمر النائب بإرسالها عليه فتوجهت نحوه فوثب عليها وركبها فطارت به في الميدان قدر خمسين ذراعًا في الهواء حتى دنا من النائب وقال له: أطير بها إلى فوق شيئًا آخر فقال له النائب: لا وأنعم عليه وهاداه الناس فكتب السلطان بمنعه من القدوم إلى الديار المصرية فسار إلى القدس ثم رجع إلى بلاده. وفي فقرائه يقول سراج الدين عمر الوراق من موشحة طويلة أولها: جتنا عجم من جوا الروم صور تحير فيها الأفكار لها قرون مثل التيران إبليس يصيح منهم زنهار وقد ترجمنا براق هذا في تاريخنا المنهل الصافي بأوسع من هذا انتهى.
|